الأحد، 7 فبراير 2010

سلطان البنات السمحات


للبنات السمحات سلطان لا يقاوم . . فلهن يفتح مغلق الأبواب ، يذلل العسير ، ويدنى البعيد.
يكفى إحداهن أن تكتب غثا من الكلام لتنصب أديبة عصرها ، أو أن تقوم باليسير من الأعمال لتسمى عبقرية قل أن يجود الزمان بمثلها .
لا يحتجن الكثير من الإجتهاد فى إنجاز شؤونهن ، فالكل متطوع لخدمتهن وتذليل الصعاب لهن.
لا يذقن ما نذوقه من المرار فى مكاتب الخدمة الإلزامية ، ولا يعانين من الوقوف فى الصفوف الطوال فى دواوين الدولة . إجتياز الإمتحانات الشفوية لديهن رهين بذرف دمعة ، ونيل الوظائف فى المعاينات معلق ببسمة .
جميعنا ضعيف أمام الجمال ، ولكن أن يضاف هذا كعامل فى تقييم ما ليس له علاقة بالجمال ففيه ظلم لآخرين . لى صديق يعرفه من درسوا بكلية الإقتصاد جامعة الخرطوم فى أواخر التسعينات ، كانوا يلقبونه بحميد ، يكتب من الشعر ما يسيل له دمع القساة ، ولكنه لم يجد من الصيت ما ينبغى له أن يجد ، إذ أنه كان ( شين ودشن ).
عندما جاء الكيزان أمروا بفصل الطلاب عن الطالبات فى مشرحة كلية الطب ، فكاد الطلاب أن يذهبوا ( شمار فى مرقة ) من إهمال مساعدى التدريس لهم ، فكان أن أمر أستاذ حكيم بإعادة ( خلط ) المجموعات مرة أخرى .
فى بعض منابر النقاش الإسفيرية ، يكتب بعض من نعدهم عتاولة الأدب والفكر والسياسة . يمكن أن تجد مقالا لأحد هؤلاء ، قد بذل فيه من الجهد ما بذل ، وقد إحتل مكانا بعيدا فى الصفحة الثانية أو الثالثة ، بينما تجد غثاءا أو نكتة لحسناء وقد بلغت صفحات البوست ما بلغت .

وعلى مر الأزمان كان للبنات السمحات سلطانا أقوى من الذى للسلاطين وعتاة القادة .
كان للمعتمد بن عباد – وهو من ملوك الطوائف بالأندلس - جارية حسناء تسمى الرميكية ، وقد شغفها حبا . فرأت ذات يوم جوراى القصر يلعبن فى الطين ، فاشتهت أن تمشى فيه . فأمر بالطيوب فسحقت وذرت فى ساحة القصر حتى عمته . ثم أمر بماء الورد فرش عليها وعجنت حتى صارت كالطين ، فخضن فيه هى وجواريها وكان يوما مشهودا.
ثم إنه غاضبها يوما ، فقالت له ( لم أر منك خيرا قط ) فقال لها ( ولا يوم الطين ) فاستحيت وسكتت. وربما كان من الجدير أن تعلم أن إبن عباد هذا كان عاجزا عن دفع رواتب جنده والفونسو – قائد الفرنجة- يزحف على غرناطة .

وإذا أجلت عين فاحصة سترى أن معظم الحوادث الجسام فى التاريخ وقفت خلفها هذه المرأة الجميلة أو تلك .
بل إنظر إلى عجائب الدنيا السبع ، فسيهولك أن ترى أن جلها قد صنع فدى لإمرأة جميلة .
تاج محل قصة تشييده لممتاز محل الجميلة معروفة . وحدائق بابل المعلقة شيدها ملك عاشق إشتهت زوجته ذات شهوة الرميكية عندما رأت نساء العامة يمشين فى الحدائق العامة ، فرأى الملك أن يصنع لها حديقة خاصة لا تكلفها عناء النزول من القصر.
وإن أعدنا قراءة التاريخ بعين فاحصة ، فربما سنكتب تفسيرا ( نسائيا ) للتاريخ . معظم الأحداث المفصلية فى تاريخ البشرية كانت خلفها إمرأه بصورة أو بأخرى ، إبتداءا من الإلياذة والأوديسة و لس إنتهاءا بوفاة سانى أباشى بجرعة فياجرا زائدة كان لها الفضل فى تخليص نيجيريا من ديكتاتورية مقيتة.
أساطير الأغريق تحفل بصراعات الالهة والبشر على الجميلات من الالهات والبشريات . ولم ينس هؤلاء تنصيب إلهة للجمال ، فهى أفروديت عند بعضهم ومن ثم فينوس عند من جاء بعدهم.
خراب طروادة سببه خطف أميرها لإمرأة ملك الإغريق الجميلة .وبسبب كليوباترا إقتتل إثنين من كبار قواد الرومان وتغير التاريخ للأبد.
ويعتقد الكثيرون أن قيصرة روسيا الجميلة كانت أحد الأسباب المهمة لقيام الثورة الشيوعية – الحدث الأهم فى تلك الحقبة – بعلاقتها المريبة مع الراهب راسبوتين . إمتلك راسبوتين القيصرة فامتلك القيصر و القصر والقيصرية . وقد عبر هو نفسه عن ذلك عندما ظهر مرة للعامة عاريا ثملا على شرفة القصر وأشار إلى . . . . (أن هذا هو الذى يحكم روسيا ) . .

والبنات السمحات يختلفن فى تعاملهن مع هذه ( الظاهرة ) . فمنهن من يكتفى بالهبة الإلهية ولا يعمد إلى تطوير نفسه من نواح أخرى ، لينتهين إلى ما نطلق عليه ( سماحة جمل الطين ) . فهن مرغوبات فى كل حال ، ولذلك لايبذلن حهدا فى تطوير ملكات الحديث العذب والفهم العميق . ستنفق وقتا ثمينا لتوافق معادلة البنت السمحة والفاهمة والظريفة فى آن .
والبعض الآخر قد طور ملكات أخرى سواء أدبية أو فنية كانت أو غيرها . مشكلة هؤلاء هى فى التقييم المعوج لملكاتهن الذى يضيف جمالهن كعامل شئن هن أم أبين ، شاء المقيمون أم أبوا . فإذا كانت شاعرة متواضعة الأمكانات جعلوا منها خنساء ، وإذا كانت فنانة ضعيفة الأداء سموها فيروزا.
مشكلة هذا التقييم أنه يضع أمام أولئك غمامة تمنعهن من رؤية الحقيقة وتمنعهن بالتالى من مراجعة ما يقدمنه من عطاء ومن ثم تطويره وعلاج ما به من إعوجاج. بل يصيب بعضهن بالغرور فيعمدن إلى إتهام كل من ينتقدهن من بعد بالغيرة الشخصية والأجندات الخفية.
والمشكلة الكبيرة أن هؤلاء النقاد ، والذين يعتمد عليهم المتلقى العادى فى تقييم وإختيار تلقيه لسائر أنواع الإبداع ، يدفعونه بقصد أو بلا قصد فى إتجاه آرائهم ويسحقون فى طريقم مبدعات أخريات أرق أصواتا ، أمضى قلما وأنصع شعرا من هؤلاء الجميلات . فهذه( الديكتاتورية الجمالية ) ستملأ وسائل إعلامنا يوما بسائر أصناف أنصاف المبدعات الجميلات ، بينما يتوارى فى الظلام الإعلامى مبدعات ومبدعون حقيقيون ليس لدى إبداعهم ما يؤهله ليشق طريقه للنقاد والمتلقين غير إنه فقط . . إبداع

وبطبيعة الحال ، فهناك سمحات ومبدعات حقيقيات-. وإن كن قلة - إستطعن النجاة من فخ التقييم الجائر الذى يجعل من المبتدئات عبقريات الإبداع ، وبذلك تمكن من تطوير إبداعهن و تلافى السلبيات بالإصغاء إلى النقاد النزهاء – وإن كانوا قلة . !
وربما كان هناك سببا آخر لدكتاتورية الجميلات هذه ،
لعله جنوح هؤلاء النقاد أو صناع النجوم إلى رفد المتلقين بما يواكب حاجة السوق . فالمتلقى هذه الأيام نادرا ما يجذب إنتباهة ( إبداع ) غير مرتبط بمكون جمالى أو حسى . وأقول يقينا أن فيروزا نفسها أو أم كلثوم - لو لم يكن فيروزا و أم كلثوم - لن يجدن موطئ قدم إذا جئن فى عصرنا الحاضر ليعرضن إبداعهن المعتمد على الكلمات والصوت واللحن فقط . ولولا المتلقى القديم لذى صنع منهن ما هم عليه لضعن مع جيل هيفا وغيرها . .
كنت جالسا مرة مع شباب فاستغرقوا فى أغنية تقدمها روبى فى التلفزيون وجعلوا لها كل إنتباههم . وبعد أن إنقضت الأغنية وراحت روبى لحال سبيلها هى ودراجتها تلك ، سألتهم عما كانت تقول بتفصيل فلم يحر أحدهم جوابا . .
المطلوب إذا إستبعاد الجمال كعامل تقييم فيما لا شأن له بالجمال . بهذا ، لن نخسر أى جميلة إذا مبدعة ، وسنكسب العشرات من ذوات الإبداع المميز اللائى أغفلتهن أعين تبحث عن أشياء أخرى . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.